انجي افلاطون..الارستقراطية التي عبرت عن الريف ببراعة

انجي افلاطون فنانة مصرية تنتمي الى رواد الحركة الفنية التشكيلية في مصر والعالم العربي، بدأت طريق الابداع الفني تلقائياً قبل ان تدرس فن الرسم دراسة اكاديمية، فقد استقدم لها والدها معلماً حين لمس نزوعها نحو الفن لكنها رفضت الاسلوب الاملائي في الفن، لكن والدها عاد والحقها باستوديو (جاتروس امبير) الذي كان في شارع قصر النيل حيث كان بمثابة اكاديمية خاصة عام 1941، لكنها تركته بعد شهر واحد بحثاً عن الحرية في التعبير.


وبعد فترة التقت بأحد الفنانين الذين اثروا في الحركة الفنية آنذاك وهو كامل التلمساني الذي اخذ يشرح لها الفن ويوجهها نحو تاريخ الفنون وفلسفة الجمال وقدم لها فنون التراث واتجاهات الفن الحديث من خلال المراجع والصور فانفتحت امامها نافذة اطلت منها على عالم الفنون الحافل بالجمال وكان ذلك من عام 1942 حتى 1945.



استطاع التلمساني ان يطلق طاقتها الفنية المتدفقة ويشق امامها طريقا مثيراً، فمضت تلتهم الكتب التهاماً، حتى المت بعلوم التاريخ والاجتماع والفلسفة والاقتصاد والادب والشعر والموسيقى، كما اصرت ان تتعلم اللغة العربية حتى تتعمق في جذور بلادها بعد ان استاءت من نفسها لاجادتها الفرنسية على لغتها الام.
في ذلك الوقت التحقت انجي افلاطون بالاتحاد النسائي الذي اسهمت فيه بنشاط واسع، كما اتخذت من (السريالية) منهجاً للتعبير عن نفسها فنياً فصورت كل ما خطر ببالها من احلام وكوابيس بطريقة روائية ويظهر ذلك في لوحات (الوحش الطائر) 1941، (الحديقة السوداء) 1942 و(انتقام شجرة) 1943 وفي نفس الوقت تقريباً بدأت انجي افلاطون مشوارها الفني مع جماعة (الفن والحرية) التي ضمت بين اعضائها محمود سعيد وفؤاد كامل ورمسيس يونان يساندهم مجموعة من النقاد منهم البير قصيري وجورج حسين ولطف الله سليمان.


ان تدخل بوابة الفن من بدايتها حتى تتومع هذا النشاط الفني والاجتماعي سافرت الى العديد من البلدان الاوروبية وزارة المتاحف وشاهدت روائع الفن القديم والحديث فأدركت انها لن تستطيع ان تضيف شيئاً من خلال المنهج السريالي فتوقفت عن الرسم لمدة عامين منذ 1946 حتى 1948.. حيث اثرت مكن من تجسيد مشاعرها وخيالاتها وافكارها مدركة ان الفن رسالة حياتية لا تكتمل الا بالعمل اليومي وتحصيل المعرفة على ايدي الاساتذة الكبار، ست سنوات ترددت انجي خلالها على مراسم الفنانين ومراكز تعلم اصول الرسم من 1948 وحتى 1954.


وفي عام 1951 قدمت معرضها الخاص الاول الذي غلب عليه الطابع الواقعي الاجتماعي سواء في اللوحات التي عبرت فيها عن هيمنة الرجل على مقدرات المرأة او اللوحات التي صورت الكفاح المسلح ضد قوات الاحتلال البريطاني مثل (لن ننسى) التي عبرت عن شهداء الفدائيين في معارك قناة السويس.


وبدأت انجي تحمل ادوات الرسم وتتجول بها في القرى والدساكر في طول البلاد وعرضها وكانت معظم جولاتها منفردة رغم صعوبة ذلك آنذاك، لكنها لم تعبأ بالعقبات التي قابلتها وكانت تنام في الفنادق او الاديرة تلاحق رغبتها الملحة في الرسم والتعبير عن رؤيتها للريف والفلاحين ونداءاتهم في الحقول وشقشقة العصافير ونباح الكلاب واصوات الغنم والماشية وانين السواقي وخرير الماء وسنابل القمح وكيزان الذرة في الغيطان، فقد كان التعبير عن الصوت داخل اللوحة التشكيلية هو همها وهدفها الاول والذي نجحت في الوصول اليه وقد قالوا عنها (لو ان فلاحة لها موهبة انجي افلاطون وثقافتها الواسعة وتمكنها من اصول الصنعة لما عبرت بأجمل واصدق مما عبرت به انجي عن ريف مصر شكلاً ومضموناً).


فقد ولدت انجي في بيئة ناعمة منعزلة في قصر من قصور القاهرة وتلقت تعليمها في (مدرسة القلب المقدس) الفرنسية الداخلية.


كان تفكير انجي السابق لعصرها والنازع نحو الحرية سبباً في دخولها المعتقل بسجن النساء بالقناطر الخيرية منذ 1959 الى 1963، ابدعت خلالها سلسلة من اللوحات صودر بعضها ووجد الباقي طريقه الى جدران معارضها وقد غلب على هذه اللوحات المأساة التي انعكست على الفنانة من تأثير المناخ النفسي داخل السجن حتى تحولت الى المبالغة احياناً في النسب ورمزية الالوان وديناميكيةالحركات ودراماتيكية التكوين.


كانت لوحات المعتقل نوعاً من الفن الدعائي لمجرد رؤية السجينات المكدسات خلف الاسوار الحديدية بتشكيلات قاسية والوان كابية وملامح مبهمة.


حظيت انجي افلاطون بتقدير عال شرقاً وغرباً عبر مشوارها الطويل في طريق فن الرسم التصويري وقد قالو عنها في نيودلهي 1981 (انها تضفي قدراً هائلا من الحيوية على تفسيرها للطبيعة.. وتدرك قيمة العمل كجزء لا يتجزأ من المنظر الطبيعي).. وفي روما قالوا عنها (انها خرجت من قلب الحركة التشكيلية المصرية المعاصرة التي ترتبط بالواقع تصور العظمة القاسية للطبيعة المصرية في لحظات من الحياة اليومية وتكمن قوتها في قدرتها على القبض على شعور ما).


حياتها انشودة متصلة من الفن منذ كانت تلميذة صغيرة بمدرسة (ليسيه الحرية) الفرنسية في باب اللون، تجلس الى شقيقتها الكبرى تسمع حكاياتها الخرافية فتنهض لتعيد قصها على الورق وتعطيها الى خالها لينشرها في مجلته التي كان يصدرها باللغة الفرنسية في ذلك الحين.. وكان من حظها السعيد ان حباها الله بأب واسع الافق درس في لندن وكان استاذاً بكلية العلوم وام تحلت بشخصية قوية وعقل ذكي واستعدادات فطرية جعلت منها اول مصممة ازياء في شرقنا العربي في زمن كان فيه عمل المرأة نقيصة تؤخذ عليها.. وكانت انجي فتاة متمردة اضطر والدها ان ينقلها الى (ليسيه الحرية) بعد ان ضبطوها في مدرسة (القلب المقدس) تقرأ حكاية عن كلب فضل متاعب الحرية في الغابة على رخاء العيش في ظل الاستئناس، مضت تتعرف على العالم الفسيح بنهم شديد وقلب مفتوح وطاقة لا تنتهي، وعرفت بشموخ شخصيتها الذي انخلع على شخصيات لوحاتها.


مهما مضى الزمان فستظل لوحات انجي افلاطون نابضة بالحيوية، بسيطة تخلو من اية سفسطة، تبرز جمال اشياء كنا نراها تافهة قبل ان تقدمها لنا، لا تخلو من الجانب الروائي الواقعي، تجذبنا وتغرقنا في التأمل وتشعرنا بعظمة هذه الفنانة التي عرفت كيف تعزف على اوتار مشاعرنا فنبقى متعبدين داخل محراب القيمة الجمالية.

------------------------------

انجي افلاطون..الارستقراطية التي عبرت عن الريف ببراعة

الحوت للسفر والسياحه