الأطفال هم زهور الدنيا ولكن قد تتحول هذه الزهور في وقت معين تحت ظروف معينة إلى صبار شائك .. فبدلاً من أن ترى الابتسامة على وجه طفل وبيده دمية يلعب بها أو تجده مستيقظا نشيطًا ذاهباً إلى مدرسته.. ستجده عبوس الوجه ظروفه رسمت سنين طويلة على وجهه الصغير .. أو تجده بائع متجول يجوب الشوارع بحثاً عن الرزق.. وستجده بعد فترة أبا أو أما لأطفال ليسوا أحسن حظاً منهم .. أنهم أطفال الشوارع .
محيط ـ شيماء نور
وهؤلاء الأطفال معرضون للانحراف وتعاطي المخدرات والكحول وقد يتطور الأمر ليصل بهم إلى حد الإجرام وممارسة الحرام في كثير من الحالات، لذا تدق شبكة الأخبار العربية "محيط" ناقوس الخطر .
من هو طفل الشارع
هو الطفل الذي وجد نفسه دون مأوى ولا مكان يرحب به سوى الشارع ولا أذان تستمع له سوى من هم مثله .. هو الطفل الذي يعمل من أجل البقاء .
هو الطفل الذي يترك بيت أسرته ويفر إلى الشارع بين الحين والأخر ليقضي بعض الليالي بعيداً عن قسوة الأهل أو هرباً من الاكتظاظ أو الاعتداء أو الفقر .
هو طفل ولد وبدلاً من أن يجد نفسه في أحضان والديه وجد نفسه في صندوق للقمامة لا يعرف له أم أو أب فهو نتاج خطأ وقعا فيه .. فلم يجد أمامه سوى أحضان الشوارع لتعوضه حنان الأسرة .
أطفال الشوارع وفقاً للتعريف الوارد في القانون المصري للطفل لعام 1996 ، يعتبرون أحداثا يقضون معظم أوقاتهم في الشوارع بدون حماية أو إرشاد وهؤلاء الأطفال لهم، على العموم، صلات قليلة بذويهم أو لا تربطهم بهم أي صلة .
أسباب تفشي ظاهرة أولاد الشوارع
بلغ حجم مشكلة أطفال الشوارع في الوطن العربي وفقاً لما ورد في موقع جمعية " الإرادة لرعاية الفئات الخاصة " ما بين سبعة وعشرة ملايين طفل وتتجلى هذه المشكلة بشكلٍ واضحٍ في مصر، حيث يتراوح عدد الأطفال المشردين فيها حول مليوني طفل ويوجد في مدينة القاهرة وحدها ما يقرب من 90 ألفًا منهم .
وتتعدد الأسباب المؤدية إلى تشرد هؤلاء الأطفال ، حيث يعتبر الطلاق سببا رئيسيا في انتشار هذه المشكلة وخاصة طلاق الأسر الفقيرة ، حيث أشارت إحدى الدراسات أن 90% من أطفال المشكلة لديهم آباء وأمهات إما أب أو أم فهم ليسوا لقطاء ولقد قسمتهم إلى ثلاثة أنواع ، أطفال يعيشون بين الشارع والبيت ، وأطفال يعملون بالشوارع وأغلبهم يحققون دخلاً لا بأس به وأطفال يتعرضون للاستغلال البشع من طرف الشارع إما عن طريق تشغيلهم في ظروف صعبة أو عن طريق الاستغلال الجسدي .
كما يتسبب الفقر في عدم قدرة الأسرة على رعاية أبنائها وتغطية احتياجاتهم الرئيسية من مأكل ومشرب وملبس وعلاج، فلا يجد الطفل غير الشارع، وأحيانا يطرد الأب أبنه للخروج للشارع رغما عنه .
تفيد الدراسة بأن الأطفال حساسون بطبعهم لذلك المشاكل الأسرية أحد أسباب تفشي الظاهرة ، حيث كل توتر يحدث داخل البيت يؤثر سلباً على نفسية الطفل الهشة فيجد بالشارع ملاذاً لا بأس به بالنسبة لما يعانيه .
من جانب أخر أتضح أن معظم الأطفال لم يكملوا تعليمهم لسبب أو لآخر ، حيث يصبح وقت الفراغ أطول والآفاق المستقبلية أضيق ، فينضمون إلى مسيرة التشرد .
الانحراف والإجرام والحرام نتاج تلك الظاهرة
أن النتائج المترتبة على هذه الظاهرة هي نتائج خطيرة ولها تأثير كبير على المجتمع ككل وخاصة هذه الشريحة التي يفترض أنها تمثل أجيال المستقبل .
من أخطر النتائج المترتبة على تك الظاهرة هي الانحراف ، حيث إن خروج طفل في العاشرة من عمره مثلاً إلى الشارع سيؤدي به حتماً إلى الانحراف ، خاصة أمام عدم وجود رادع ، فهو لن ينجو بالتالي من إدمان السجائر والخمور والمخدرات .
الإجرام ، ليس من المنتظر من طفل الشارع أن يدرك الصواب من الخطأ وهو محروم من التربية ومحروم من المأكل والملبس ، كل ذلك يساعد على خلق طفل مجرم .
الأمراض هي احد النتائج أيضاً ، حيث إن وضع هؤلاء الأطفال الصحي في خطر فجميعهم يبيتون في الشوارع ، حيث يكونون عرضة لكل التقلبات المناخية من برد شديد، أو حر شديد ، مما ينتج عنه أمراض مختلفة منها السل والسرطان وما هو اخطر من ذلك .
وتمثل الاعتداءات الجسدية والجنسية التي قد يتعرض لها هؤلاء الأطفال من أخطر النتائج فقد يحدث اعتداء جنسي ينتج عنه ولادة طفل جديد ينظم إلى قافلة التشرد .
أطفال الشوارع والإدمان
إن خروج طفل في العاشرة من عمره مثلاً إلى الشارع سيؤدي به حتماً إلى الإدمان ، فهو لن ينجو بالتالي من إدمان السجائر والخمور والمخدرات رغم سنه الصغيرة .
فالأطفال الذين يعيشون ويعملون في الشوارع هم عرضة للعنف والاستغلال وتعاطي مواد الإدمان ، حيث يلجأ الكثير منهم إلى المخدرات من أجل تحمّل حياتهم وأوضاعهم الصعبة .
وتشير الدراسات التي أجريت في مصر إلى أن مواد التنشّق تتصدّر قائمة المخدرات المستهلكة فالأطفال يشمّون الغراء من أجل تحمّل ما يتعرّضون لـه من جوع وألم وعنف في الشوارع .
ويفضّل الأطفال الغراء لأن سعره منخفض ومفعولة طويل الأمد وأعراض الانقطاع عنه معتدلة ويستهلك العديد منهم التبغ والقنّب والعقاقير التي تُباع بدون وصفة طبية وهم يجهلون عموما الأخطار المتعددة المتصلة بتعاطي مواد الإدمان أو لا يأبهون لها .
الاغتصاب أولى مراحل حياة أطفال الشوارع
أن الغالبية العظمى من الأطفال المشردين من الذكور بنسبة 92% ، حيث لم تتجاوز نسبة تشرد الأطفال من الإناث عن 7.5% من إجمالي حالات التشرد ، وأن الجانب الأكبر من أطفال الشوارع تقع أعمارهم في الفئة من 12 إلى أقل من 15 سنة .
وقد كشف مجلس إدارة جمعية الدفاع الاجتماعي بالشرقية، أن 90% من أطفال الشوارع تعرضوا للاغتصاب ، مطالبا بمحاسبة كل من يعرض الطفل للانحراف أو يحرضه علي ارتكاب عمل أجرامي .
وكانت دراسة حكومية أعدت عام 2006 قالت : "إن نحو نصف فتيات الشوارع مارسن الجنس ونحو 45 منهن اغتصبن" .
ويعتبر الاغتصاب من أوائل التجارب التي تمر بها الفتاة عندما تخرج للشارع ، وهنا تجدر الإشارة إلى أن العديد من الأمهات لا يتمكن من استخراج شهادات ميلاد لأطفالهن لأن الأب مجهول أو تنكر للبنوة .
وأوضحت سهام إبراهيم التي تدير منظمة طفولتي وترأس مأوى لأطفال الشوارع قائلة : "إن الانتهاكات الجنسية هي ألف باء هذه الظاهرة ليس فقط لبنات الشوارع بل للصبيان أيضا " .
وأضافت سهام إبراهيم أن بعض فتيات الشوارع ، ممن خبرن حياة ممارسة الجنس وتعرضن مرارا للاغتصاب ، أصبحن يتناولن حبوب " مانع الحمل " المتوافرة بكثرة في الصيدليات في مصر، وأن العديد منهن لا يحتفظن بأجنتهن في حال حملهن .
وقد أكد عاملون في مجال رعاية أطفال الشوارع في القاهرة أنهم بدأوا يلاحظون ظهور فتيات الشوارع في منتصف تسعينيات القرن الماضي وكن يحلقن شعورهن ليظن الناس أنهن صبيان فيبتعدن بأنفسهن عن الخطر .
وزادت أعدادهن بدرجة كبيرة منذ ذلك الحين ، حيث أن ما بين 20 و30 %من أطفال الشوارع حاليا من الفتيات وينظر أليهن باحتقار في مصر .
ووفقاً لما ورد في هيئة الإذاعة البريطانية الـ " بي بي سي " فأن الطفلة نورا واحدة من الأطفال الذين يعيشون في شوارع مصر .. الهاربين من الفقر أو سوء المعاملة أو التفكك الأسرى .
وتروي نورا كيف استبدلت ضرب أخويها لها وهي في السادسة أو السابعة من عمرها بالجنس المفروض بالقوة في سن صغيرة في حياة الشوارع بالقاهرة حتى حملت في أحشائها طفلة أنجبتها في الشارع أسمتها شيماء .
وقالت نورا :" إن الرجال لا يفرقون لا يعنيهم إن كنت صغيرة أو كبيرة " وتعيش نورا في مأوى خاص بأمهات الشوارع لكن مثل هذه الفرصة لم تسنح لكثيرات غيرها .
وتروي المراهقة ياسمين قصة اغتصابها خلال حياتها في الشوارع قائلة :"خطفت وأبقوني أربعة أيام كانوا ثمانية وضعوا كلابا حولنا حتى لا نهرب وعندما تأتي فتيات جديدات كانوا يتركوننا نرحل ".
وقالت ياسمين :" إنها حاولت العودة إلى دار إيواء بعد الاغتصاب ولكن رغم أنها كانت قد أقامت فيها من قبل إلا أنهم لم يقبلوها ، وبعد سنوات حملت في صبي والده مسجون بتهمة السرقة. "
وقالت إلهام وهي طفلة هادئة في الحادية عشرة من عمرها :" إنها كانت تنام خارج مركز للشرطة ويقدم لها الضباط الطعام بعد أن انفصل والداها وأحرقتها قريبة لها بأداة معدنية ساخنة ".
متهمون بأنهم أطفال
أكدت منظمة " هيومان رايتس ووتش " المعنية بالدفاع عن حقوق الانسان في العالم في تقرير صدر عنها ، أن الحكومة المصرية تجري حملات قبض جماعية على أطفال جريمتهم أمهم بحاجة إلى حماية .
فيتعرض هؤلاء الأطفال إلى الإهانة والاحتقار من المجتمع ، هذا بالإضافة إلى قيام الشرطة المصرية بصورة معتادة بالقبض على الأطفال الذين تعتبرهم " معرضين للانحراف "وباحتجازهم .
لا يرتكب هؤلاء الأطفال أي فعل إجرامي وفي العديد من الحالات فإن مبرر إلقاء القبض عليهم قيامهم بالتسول أو عدم توفّر المأوى لهم أو تغيّبهم عن المدرسة بغير إذن أو إصابتهم بمرض عقلي يُظهر أنهم بحاجة للحماية والمساعدة بدلاً من العقاب .
وبدلاً من تلقّي العناية , فإنهم يتعرّضون للضرب والإيذاء والعنف على يد أفراد الشرطة ويُحتجزون في ظروف خطرة وغير صحية لفترات قد تصل إلى أيام أو أسابيع وعادة ما يكون ذلك مع محتجزين جنائيين بالغين يقومون بدورهم بالإساءة للأطفال كما يُحرمون من تلقّي مقدار كافي من الطعام والمياه والفراش والعناية الطبية .
لقد وضِعَت فئات أطفال الشوارع في قانون الطفل في مصر , ظاهرياً من أجل حماية الأطفال المعرضين لظروف صعبة , ولكنها أصبحت ذريعة لحملات جماعية , للقبض على الأطفال وإخلاء الشوارع منهم , وللحصول منهم على معلومات حول الجرائم , وإجبارهم على المغادرة إلى أحياء أخرى.
وقد ارتفع عدد حالات إلقاء القبض على الأطفال بشدّة منذ العام 2000 وتجاوز عدد الأطفال الذين احتجزوا بسبب هذه التهم 11.000 حالة في العام 2001 وحدة ويشكّل هذا الرقم ربع عدد حالات احتجاز الأطفال في مصر في تلك السنة .
وفي العديد من الحالات يكون الأطفال ضحايا للإساءات قبل القبض عليهم , إذ يكون بعضهم قد تعرّض للعنف في المنْزل , أو لظروف خطرة واستغلالية في العمل , أو أنهم حُرموا من التعليم لأن أسرهم لم تتمكن من تحمّل تكاليف الرسوم المدرسية والكتب .